أحمد طلب يكتب: الصراع النفطي .. من سيدفع الثمن؟!


أحمد طلب
صحفي متخصص بالشأن الاقتصادي
تلوح في الآفاق صراعات نفطية متشابكة ما بين منتجي النفط في الشرق الأوسط وبين منتجي أوروبا، ففي الوقت الذي تحارب فيه السعودية إيران من بوابة الحوثيين، تخوض طهران معركة نفطية ضخمة بمساعدة الصين وروسيا، وفي نفس الوقت تكتشف لندن انهار نفطية، والسعودية تنطلق سريعًا تدفع بإنتاجها إلى الأمام، بل وتخفض أسعار خامها، والبعض يري أن الأسعار ستنهار وآخرون يتوقعون الصعود، لكن ماذا يحدث؟! ومتي سينتهي هذا الصراع؟! من الرابح ومن الخاسر؟!

في البداية، فإن الوضع الآن قد يكون مربكًا للبعض فمعني ارتفاع عقود النفط إلى أعلى مستوياتها خلال العام الحالي 2015 مؤشر على تعافي الأسعار، وهذا تحليل قد يكون سطحي بعض الشيء، حيث إن ارتفاع أسعار النفط جاء مدعوما بقرار الحكومة الصينية اتخاذ إجراءات تحفيزية لدعم النمو الاقتصادي في ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بالتزامن مع انخفاض منصات الحفر والتنقيب في الولايات المتحدة لأدنى مستوى له منذ عام 2010، هو ما دفع النفط قرب 65 دولار للبرميل، لكن أيضا هناك مؤشرات أخرى تدل على انهيار قريب للأسعار.

وهناك أكثر من مؤشر يدل على سقوط قريب لأسعار النفط في حال ما إذا نظرنا إلى القاعدة الاقتصادية الأساسية "العرض والطلب" وعلاقتهم بالسعر في حال ارتفاع العرض عن الطلب ينخفض السعر والعكس صحيح، ويتجسد هذا الأمر في أكثر من موقف أو مؤشر:

الأول: تصريحات وزير النفط السعودي علي النعيمي إن إنتاج السعودية من النفط هذا الشهر قرب مستويات قياسية مرتفعة وهو ما يشير إلى نية أكبر بلد مصدر للخام في العالم لزيادات جديدة في إنتاجه لحماية حصته، مضيفًا إن إنتاج النفط في السعودية يبلغ حوالي عشرة ملايين برميل يوميا في أبريل.
وزير النفط السعودي


الثاني: ما قاله مساعد وزير النفط لشئون قطاع البتروكيماويات الإيراني عباس شعري مقدم، إن مجموع تمويل الصين بقطاع صناعة النفط يبلغ 20 مليار يورو حاليا، مشيرًا إلى الزيارة الأخيرة لوزير النفط بيجن زنغنه إلى الصين، ومتابعته موضوع إمكانية مضاعفة الاستثمارات الصينية بواقع 3 أضعاف الاستثمارات الإيرانية في البنوك الصينية راهنا.
النفط الإيراني


وأضاف مقدم خلال تصريحات نقلتها وكالة أنباء فارس أن التمويل الصيني في صناعة النفط الإيرانية يتعادل مع الاستثمارات الإيرانية في البنوك الصينية في الوقت الحالي، مبينًا أن الصين ستعلن قريبا عن موقفها النهائي بشأن مضاعفة استثماراتها إلى 3 أضعاف في قطاع النفط الإيراني، زيادة الاستثمارات النفطية يعني زيادة الإنتاج 3 أضعاف وهذا ما يعني إغراق السوق ويعني أيضا انهيار للسعر.


الثالث: الاكتشافات النفطية الضخمة التي اكتشافاتها شركة بريطانية والتي تقدر بحوالى 8.6 مليارات برميل وتعادل قيمتها المالية حوالى 300 مليار جنيه إسترليني "حوالى 450 مليار دولار" حسب تقديرات مصادر بريطانية، الأمر الذي يشير إلى ولادة دولة نفطية ذات ثقل عالمي، وهذا أمر يضر الشرق الأوسط ونقطة إضافية لأوروبا، مما يشير إلى وفرة ضخمة في المعروض وبالتالى ضربة جديدة لأسعار النفط.
بريطانيا


الرابع: وهو ارتفاع تدفقات الخام العراقي وان كان هذا الأمر لن يؤثر بشكل كبير على السوق العالمي إلا أنه يستحق النظر إلية، فبحسب مصادر لرويترز فقد ارتفعت تدفقات النفط في خط أنابيب كردستان العراق، والذي ينقل خام كركوك والنفط الكردي إلى الساحل التركي على البحر المتوسط، سجلت مستوى مرتفعاً جديداً، إذ بلغت 650 ألف برميل يومياً، صعوداً من 500 ألف برميل يومياً مطلع الأسبوع.


فبعيدًا عن الصراع النفطي العالمي هناك صراع خاص بالشرق الأوسط من نوع خاص، هذا الصراع بدأت فروعه تنمو بقوة بعد الاتفاق النووي الإيراني الأوروبي، حيث إن النفط الذى يعتمد عليه الخليج والذي هو محل الصراع السابق والقادم أضحي يواجه مخاطر بالغة الخطورة بعد اتفاق طهران النووي وبعد أن قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إن أسعار النفط ستنخفض ما بين  5 و15 دولارا للبرميل، عن المتوقع العام القادم في حالة رفع العقوبات المفروضة على إيران.


في الحقيقة أرى أنها مسألة وقت لا أكثر وترفع العقوبات، وسيكون الخليج بلا شك في مأزق صعب للغاية، فإيران لاعب قوى ومؤثر في لعبة النفط حيث إنها خامس أكبر منتج للنفط عالميًا، وتمتلك مخزونات نفطية تناهز الـ 30 مليون برميل على الأقل، مع إمكانية رفع إنتاجها بنحو 700 ألف برميل يوميا بنهاية العام المقبل.


الصراع لا يتوقف على إيران وحدها بالطبع ولكن البيانات التى أظهرت أن مخزونات النفط الخام التجارية في الولايات المتحدة قفزت حوالي 11 مليون برميل منذ أسبوعين وهي أكبر زيادة أسبوعية منذ 14 عامًا "مارس 2001" بفعل قفزة في الواردات، مشيرة إلي أن مخزونات الخام زادت 10.9 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الثالث من ابريل في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى زيادة قدرها 3.4 مليون برميل، هذه البيانات وحدها كفيلة بإسقاط أسعار النفط أكثر ولا يملك الخليج المنهك منذ منتصف العام المنصرم سوى تحمل المزيد من الخسائر في ظروف كان في أمس الحاجة للأرباح لدعم الإنفاق على الحرب على الحوثيين التي ربما تطول "عاصفة الحزم".


لا شك أن الغرب هو الرابح الأبرز من هذا الصراع، وللأسف لا يملك الخليج "الخاسر الأبرز" سوى الترقب والانتظار للخطوات التي ستتخذها إيران التي يمكن أن تزيد إنتاجها بكميات تتراوح بين 800 ومليون برميل من النفط يومياً بالإضافة إلى إنتاجها الحالي المقدر بنحو 2.8 مليون برميل يومياً، بعض الخبراء يرى أن إيران إذا اتجهت نحو هذه الخطوة قد يصل النفط إلى 20 دولار، بمعني أن اقتصاديات دول الخليج المعتمدة على النفط لتمويل أكثر من 90% من موازناتها المالية قد تسقط في معاناة وعجز لم تمر به من قبل.


المقلق أن سوق النفط يعاني في الأساس من تخمة المعروض المرتفع كثيرًا عن الطلب، وما يزيد القلق أكثر أن إيران لن تتردد في هذه الخطوة فهي صاحبة ثأر حيث أنها تضررت كثيرًا من لعبة النفط التي قادتها السعودية بإدارة "أوبك" بمنتصف العام المنصرم، وهذا يجعلني أتذكر تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني في منتصف يناير الماضي "إن الدول التي تقف وراء انخفاض أسعار النفط العالمية، ستندم على قرارها عدم خفض الإنتاج النفطي، محذرا من أن السعودية والكويت ستعاني مثل إيران بفعل هبوط الأسعار، قائلًا "أولئك الذين خططوا لخفض الأسعار على حساب دول أخرى سيندمون على هذا القرار" وهنا أتساءل هل جاء الدور على إيران لتنتقم من الخليج؟!.


أظن أن إيران في حال سلكت هذا الطريق لن تكون وحدها بل إن الروس أيضا لهم نفس الثأر والأنظار كلها متجه نحو السعودية المنهكة حاليًا في حرب تستنزف مواردها، ومن الناحية الأخرى تكسب إيران حلفاء أقوياء وتدعم اقتصادها باتفاقات سواء مع تركيا والصين وحتى بعض العرب المحتاجين لغاز طهران والتي من شأن هذه الاتفاقيات أن تغير الخريطة الاقتصادية للمنطقة وسحب البساط من تحت الخليج.



وظني أن الانتعاش الحالي لأسواق النفط لن يستمر كثيرًا، ولكن الذي سيستمر كثيرًا هو الصراع داخل الشرق الأوسط وخارجه، وسيستمر أيضا الرابحون في زيادة أرباحهم بقيادة أمريكا والصين وأوروبا، أما الذي لن يستمر بل سيتضاعف هي خسائر الخليج وذلك من اتجاهين الأول: الخسائر المادية من خلال فروق الأسعار والثاني: تبديد المخزونات النفطية لمصلحة الغرب.

هبوط النفط

مشاركة على

Unknown

وصف الكاتب هنا

    التعليق بإستخدام حساب جوجل
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق