أحمد طلب صحفي ومحلل اقتصادي مصري |
فالاقتصاد المصري يدور في دائرة مغلقة منذ سنوات، ما بين تراجع كل موارد الدولة المصرية بلا استثناء، وزيادة احتياجاتها باستمرار، والعلاج في كل الأوقات يكون طلب المعونات، والاقتراض ثم الاقتراض ثم الاقتراض، هذا باختصار ما يقوم به أصحاب القرار الاقتصادي في مصر، وبلا شك هو عمل غير مجهد ولا يحتاج إلى التفكير أو التغير وكما يقولون "دا حافظ مش فاهم" بالفعل هكذا هو الأمر.
لكن أليست مصر دولة اقتصادية لها ثقل ووزن؟!
نعم.. هكذا يقولون ولكن هل يعقل أن تكون هناك دولة ذات ثقل ووزن، تستورد 80% من غذائها و60% من مستلزمات إنتاجها "بالدولار"؟!، هل تتخيل أن دولة له طموح اقتصادي عجز ميزانها التجاري يرتفع بنحو 34.7 مليار جنيه خلال شهر فقط لا غير وهو يوليو الماضي بزيادة بلغت 38.8% عن الشهر الذي يسبقه؟!، هل تدرك أن إجمالي ديون مصر حتى نهاية 30 يونيو 2015، بلغت نحو 2.6 تريليون جنيه، أي ما يعادل 90 % من الناتج المحلي الإجمالي؟!.
عموما رغم أن ما ذكرته سيء بما يكفي ولكن هل هذه فعلا أسباب تخبط الاقتصاد المصري؟!.. في الحقيقة الأسباب كثيرة ويصعب حصرها في مقال واحد ولكنها تحتاج للكثير من الوقت والتفصيل، ولكي ندرك الواقع أكثر تعالوا ننظر إلى أزمة الدولار كأكثر الأزمات إرهاقا للمصريين ولا حظوا أني أقول أزمة لأنها بالفعل كذلك، لكن إليكم المفاجأة.. أصحاب القرار لا يتعاملون معها على أنها أزمة.. ربما لا يعترفون بها في الأساس، بالطبع تسأل كيف؟ ولماذا؟!.
يقول هشام رامز، محافظ البنك المركزي المصري، "أن الأرقام تشير إلى أن مصر تستورد فاكهة التفاح الأحمر بقيمة 400 مليون دولار، و200 مليون دولار خضراوات، و2.5 مليار دولار للسكر ومشتقاته، (في حين أن لدينا في مصر مخزوناً كبيراً من السكر المنتج محلياً)، كما نستورد بـ1.7 مليار دولار ذرة صفراء (رغم أنه من الممكن أن يتم زراعتها محلياً)، و1.056 مليار دولار للتليفونات المحمولة والثابتة، و300 مليون دولار للشاي، و80 مليون دولار لاستيراد الكافيار، و136 مليون دولار للأحذية، و1.05 مليار دولار للملابس الجاهزة المتنوعة"، تخيل عزيزي القارئ أن الدولة تسمح بالاستيراد بهذه الأرقام الضخمة لمنتجات من السهل جدا أن ننتجها محليا، هل تدرك هذه الدولة أن لدينا أزمة حقا؟!.
في الواقع هذه الإدارة الاقتصادية تصنع أزمة فوق الأزمة، فعندما تترك المستثمرين يستوردون من دولة كالصين فقط بنحو 9.1 مليار دولار خلال 2014، فهي تدمر الاقتصاد المصري، وتقتل الصناعة المصرية، عندما تعرف أن مصر تستورد سلع "تافهة" بنحو 60 مليار دولار سنويا تشمل واردات أدوات مكتبية وطعام كلاب وقطط، وجمبري، وشيكولاتة وغيرها، من المنتجات التي لو أغلق عليها باب الاستيراد لأصبحت مصر مصدرة لها في غضون أشهر ولا أبالغ، هل صدقتك أن الدولة لا تعترف بالأزمة.. ولكن لماذا؟ من المستفيد؟!.. عندما تعرفوا من يقوم بالاستيراد ويحقق المليارات من وراء ذلك ستعلمون من المستفيد.
المحزن أنني عندما ألقيت نظرة على تقرير عن واردات مصر في الربع الأول من العام الجاري وبالمناسبة الواردات هي التي تبتلع احتياطي البلاد، وجدت أن أول ربع من 2015، استوردت مصر أثاث بـ 79.40 مليون دولار، وصناعات غذائية بـ610.79 مليون دولار في نفس المدة، وجلود بـ 18.81 مليون دولار، وصناعات كيماوية بـ2171.74 مليون دولار، وصناعات زراعية بـ 1705.79 مليون دولار، وكتب وورق بـ 330.71 مليون دولار، وزيوت معدنية بـ 2393.55 مليون دولار، كل ذلك في 3 شهور فقط.
في حين أن حصيلة الصادرات المصرية انخفضت إلى أقل مستوى خلال الـ5 أعوام الماضية حيث وصلت في العام الماضي إلى 22 مليار دولار بانخفاض يقترب من 19% مقارنة بأعلى حصيلة حققتها الصادرات خلال الفترة، وفي الربع الأول من 2015 تراجع حجم الصادرات بنسبة 21.72% خلال الربع الأول من العام الجارى 2015، حيث بلغ إجمالي الصادرات خلال الفترة من يناير حتى مارس 2015 بلغت 4.631 مليار دولار.
الخلاصة.. !
أصحاب القرار الاقتصادي في البلاد لا يدركون أننا نمر بأزمة شديدة، بل أنهم بإدارتهم للوضع يجعلني أظن أنهم يقولون أننا لا نحتاج للمصانع لنغلقها ونستورد أفضل، ليربح رجال الأعمال ويطحن الغلبان في دوامة الأسعار والنظام "محلك سر"، فالوضع لن يتغير بهذه الإدارة وهذه العقلية أبدًا، فالحلول واضحة ولكن أصحاب القرار يضعون مصلحة رجال الأعمال في المقدمة وهذه هي الكارثة، فحرروا السياسة من مصاصي الدماء "رجال الأعمال" يتحرر الاقتصاد المصري من دوامة الانهيار.
حل سريع.. !
عزيزي القارئ اقتصاد الدول كتلة متشابكة، فمن البديهيات الاقتصادية أن التوسع في الاستيراد يقتل الصناعة المحلية ويغرق الدول في دوامة توفير العملات الأجنبية لدفع فاتورة الاستيراد الفكية، والحل ببساطة والذي يجب أن يحدث على الفور هو "أوقفوا ماسورة الاستيراد، وادعموا الصناعة المصرية بإطلاق العنان للمشروعات الصغيرة وفك قيود الضرائب والتراخيص عنها".
فالصين وما أدراك ما الصين تؤسس لما يزيد عن 10 آلاف شركة يوميًا، لمواجهة التباطأ الاقتصادي ولزيادة الأعمال، فبحسب تقرير نشرته صحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية، فإن حوالي 6 ملايين شركة ناشئة قد أنشئت حتى الآن في الصين خلال الفترة الممتدة من مارس الماضي وحتى نهاية أغسطس 2015، فأين مصر من المشروعات الصغيرة، التي صنعت اقتصاد ماليزيا وجعلت لتركيا مكانة اقتصادية بين دول العالم، فبعد فضيحة تهميش المشروعات الصغيرة بالمؤتمر الاقتصادي المصري في مارس ألن ندرك بعد أنها جزء كبير من الحل !.
بورصة العملات هام للغاية هامة جدا أيضا
ردحذف