أحمد طلب يكتب: المرآة المتصدعة

إذا كنتم من محبي الروايات، وخاصة البوليسية، فربما تكونوا
أحمد طلب
صحفي متخصص بالشأن الاقتصادي
قد سمعتم هذا الاسم من قبل، فالمرآة المكسورة أو المرآة المتصدعة، هي رواية بوليسية للكاتبة البريطانية أجاثا كريستي، حيث تقع أحداثها في القرية الخيالية الإنجليزية سانت ماري ميد، وتقوم بحلها الآنسة ماربل، وهي متعلقة بمقتل هيذر بيدكوك بشراب مسمم في حفلة محلية، لكني لن أتحدث عن هذه الرواية في مقالي بل سنذهب معًا للحديث عن المرآة الاقتصادية المصرية، وهي بالطبع البورصة، وهي رواية واقعية، وربما لا تحتاج إلى محققة بوليسية فمن يضع السم معروف والشعب يشرب وهو على أمره مغلوب، فمن الطبيعي في بورصات العالم أنها مرآة الاقتصاد، لكن، وكالعادة نحن نختلف عن الآخرين، بل، إن شئنا الدقة، نتخلف عن الآخرين.


فبالنسبة لمصر، الأمر مختلف فلا تعتبر البورصة المصرية مرآة الاقتصاد، بشكل شفاف، أو في معظم الأحيان للإنصاف، فهناك تلاعب قد يرفع البورصة أو يخفضها، وذلك إما عن طريق الأذرع الاقتصادية للنظام، أو حتى بدون تدخل واضح؛ فمن السهل أن تغير اتجاه البورصة بتوقعات أو تصريحات، وهذا ما حدث بالفعل في الأيام الماضية فبعد خسائر بلغت 20 مليار جنيه في 3 جلسات فقط، انقلبت الخسائر إلى أرباح في اليوم الرابع بقيمة 4.7 مليارات جنيه، وذلك بفعل تصريحات رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب، وتوقعات بحل الأزمة، لكن ربما يتساءل البعض ما علاقتنا نحن بالبورصة؟! وما هي الفائدة التي ستعود علينا من أرباحها أو الضرر الذي قد يلحق بنا من خسائرها؟!.


في البداية يجب أن ندرك أن البورصة المصرية بها سوقين، الأول سوق إصدار الأوراق المالية وهذا السوق ذو أهمية كبيرة جدا بالنسبة للاقتصاد، حيث إنه يعتمد على ثلاثة جوانب، إما نشأه شركة جديدة وطرح أسهمها بالسوق، وإما شركة قائمة ولكنها تصدر أسهم لتوسيع نشاطها، وإما شركة تصدر أوراق مالية للاقتراض، وفي أي حالة من تلك الحالات فإن هذا السوق يفيد الاقتصاد بصورة كبيرة وهذا ما نستطيع أن نطلق عليه استثمار فعلاً لأنه يؤدي إلى نمو اقتصادي حقيقي وكذلك يوفر فرص عمل ويرفع الإنتاج.


لكن بالرغم من هذه الأهمية البالغة إلا أن الإعلام لا يتحدث عنه كثيرًا بل ربما لا يذكره أصلاً، ولا اقصد هنا أن العيب في الإعلام، بل فعلاً هذا السوق "الإصدار" يكاد يكون معدومًا في مصر في الآونة الأخيرة، فيما عدا تصريحات الحكومة باتجاهها لبيع شركات بالقطاع العام بالبورصة، خلاف ذلك لا يوجد شيء يذكر، وهذا ترجمة للمعاناة الاقتصادية التي تعيشها مصر الآن، وموت الاستثمار الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى هروب المستثمرين بسبب سوء الإدارة الاقتصادية في البلاد، هذا فيما يخص سوق الإصدار.


أما السوق الثاني في البورصة وهو سوق التداول وهو الأشهر إعلامياً وهو سوق ثانوي لأن التعاملات في هذا السوق لا يتأثر بها الاقتصاد لأنه يعتمد على البيع والشراء بين من خرجوا من السوق الأول "سوق الإصدار" فهذا لا يقدم جديداً للاقتصاد، حيث أنه سواء ارتفعت الأسهم أو انخفضت فلن يكون له إي تأثير على واقع الاقتصاد.


بالنسبة للخسائر والأرباح التي تسمعون عنها يوميًا وهي متعلقة بالسوق الثاني، وللتبسيط ولمن لا يعرف، فإن البورصة تفتتح التعاملات على ما يسمى "رأس المال السوقي" وهو مجموع القيم السوقية "سعرها" لأسهم الشركات المدرجة في البورصة وهو يتأثر ارتفاعًا أو انخفاضًا بارتفاع أو انخفاض سعر السوق، "مثال توضيحي".. لو فرضنا أن رأس مال البورصة 10جنيهات وفيها سهمين الواحد بـ5 جنيهات والسهم سعره ارتفع بقيمة جنيه واحد مما سيؤدي إلى ارتفاع رأس المال بقيمة جنيهين اثنين، وإذا خسر جنيه سيؤدي إلى خسارة رأس المال بقيمة جنيهين اثنين.


بعيدًا عن هذه التفاصيل فإن مرآة الاقتصاد المصري باتت متصدعة وطارده للمستثمرين بسبب إدارة لا تعرف سوى الفشل دون غيرة، وأخشى أن تكون البورصة ضحية فشل هذه الإدارة، التي لم تترك أي مؤشر يجذب حتى المستثمر الأبله، ولا زال المصريون يعانون على جميع المستويات فالمستثمر الصغير في البورصة يدفع الفاتورة مضاعفة والمواطن البسيط يدفعها أضعاف وأضعاف، فمتى تنظر هذه الحكومة إلى ما تبقي من المرآة وترى أنها باتت مشوهه.

مشاركة على

Unknown

وصف الكاتب هنا

    التعليق بإستخدام حساب جوجل
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق