فحم الموت.. تجارة قتل جديدة للمصريين




كتب - أحمد طلب
 يعتبر تلوث الهواء في هذه الأيام مشكلة عصرية كبرى، ومن أخطر أنواع التلوث، والذي من أهم مصادره الدخان الناتج من احتراق المواد.
وفي عام 2014، تتطلع الأمم إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة في التصنيع، واستبدال الطاقات غير المتجددة بأخرى متوافرة، حتى تم اختراع سيارات تسير بالهواء أو المياه، إلا أن مصر تعود للخلف مئات الخطوات، وتريد مصانعها تسيير الآلات بالفحم وليس بالغاز الطبيعي.
وفي ظل بحث العالم عن ابتكارات جديدة لمكافحة التلوث وعن طرق جديدة لاختراع طاقة متجددة صديقة للبيئة، نجد الحكومة المصرية ترجع بنا إلى الخلف أعواما وأعواما، حيث أعلنت رئاسة الوزراء عن موافقتها لاقتراح مقدم من مستثمري الأسمنت، باستبدال الغاز المدعم بالفحم لإدارة المحركات، فلماذا تريد الحكومة العودة بنا إلى الخلف؟ هل لأن أمراض المصريين قليلة بعض الشئ؟ أم لأننا نشتاق لعصور التخلف؟ وهل التوفير المادى الذى ستجنية الحكومة أكبر من صحه المواطن المصرى؟
الصراع بين البيئة ومجلس الوزراءبعد موافقة مجلس الوزراء على استخدام مزيج من الطاقة في صناعة الأسمنت وطلب دراسة المزيج الأوروبي الذي يدخل الفحم في مكوناته، نجد أن وزيرة البيئة تغرد بعيدا، حيث قالت ليلى إسكندر، وزير البيئة، إن استخدام الفحم لمواجهة مشكلة نقص الطاقة سيعرض الاقتصاد لمخاطر جمة كما أنه يهدد الأمن القومي والسياحة وصحة المواطن.
وتطالب شركات الأسمنت والأسمدة منذ فترة بالسماح لها باستخدام الفحم لمواجهة مشكلة نقص الوقود وارتفاع تكلفته.
وقد قالت إسكندر في مقابلة مع رويترز إن وزارتها تدرس منذ فترة ملف استخدام الفحم، وإن كل الدراسات والمؤشرات تثير القلق بشأن استخدام الفحم في توليد الطاقة في حين أن البدائل متاحة بوفرة وتضمن عدم الإضرار باقتصاد مصر.
وشددت الوزيرة على أن استخدام الفحم "سيعرض اقتصاد مصر لمخاطر وسيؤثر على السياحة وعلى حاجتنا من العملة الصعبة."
وقالت إسكندر إن هناك قلقا آخر "يظهر من الدراسات في أن الدول المستقلة في طاقتها مستقلة أيضا في أمنها القومي. لماذا تربط اقتصادك بمصدر طاقة قادم من الخارج وتعرض الأمن القومي للخطر؟"
وأضافت إنه يمكن استخدام القمامة أو ما يعرف بالمرفوضات وأيضا المخلفات الزراعية في توليد الطاقة للمصانع كثيفة استهلاك الطاقة.
وشددت إسكندر خلال المقابلة التي جرت معها بمكتبها في الوزارة على المخاطر التي ستتهدد السياحة إذا ما قررت مصر التحول لاستخدام الفحم.
وقالت إن السياحة وخاصة في البحر الأحمر ستتأثر نظرا لأن الموانيء المؤهلة لاستقبال السفن المحملة بالفحم موجودة في تلك المنطقة.
وأضافت "المراكب التي ستحمل ملايين الأطنان من الفحم قد يتعرض بعضها لحوادث غرق وبالتالي سيتسرب الفحم إلى البحر الأحمر مما سيضر بالسياحة وخاصة سياحة المقاصد مثل الغردقة والجونة."
توفير الأموال أهم!يكلف الغاز الطبيعي الحكومة المصرية دولارين لكل مليون وحدة حرارية والمازوت 3200 جنيه للطن للمصانع كثيفة استهلاك الطاقة في مصر.
ويستهلك نحو 100 مصنع في مصر 70% من الطاقة الموجهة للصناعة بينما يستهلك 100 ألف مصنع آخر 30% فقط من اجمالي الطاقة.
ورفعت مصر أسعار الطاقة للمصانع كثيفة الاستهلاك أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية حتى بلغت الأسعار في فبراير عام 2013 نحو 1500 جنيه لطن المازوت، وستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي لمصانع الأسمنت والطوب ونحو أربعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية من الغاز لمصانع الحديد والصلب.
وقد صرح وزير البترول شريف إسماعيل لاحدى الصحف بان استخدام الفحم سيوفر لمصر بين 1.5 ومليارين دولار سنويا.
وفى هذا الصدد قالت اسكندر "استخدام المصادر البديلة للطاقة سيوفر أكثر من هذا الرقم بكثير... لدينا كمية شمس مثل البترول الذي تمتلكه السعودية."
مزيج الطاقة الأوروبى
مزيج الطاقة الأوروبى هو النموذج المطروح حاليا على وزارة البيئة لتدرس تطبيقه فى مصانع الاسمنت المصرية خلال الفترة المقبلة، بحسب ما قاله عمر مهنا، رئيس مجلس إدارة شركة السويس للأسمنت، والذى كان أحد المشاركين فى اجتماع رئيس مجلس الوزراء مع ممثلى الشركات ووزراء البترول والصناعة والبيئة والكهرباء، فى مطلع السبوع، لمناقشة ارتفاع أسعار الأسمنت، وأزمة الطاقة التى تواجهها المصانع.
ويتكون مزيج الطاقة الأوروبى المطروح لصناعة الأسمنت، بحسب مهنا، من 81% من الفحم والكوك، و10% من تدوير المخلفات، و2% غاز، و7% مازوت، مشيرا إلى أن هناك بعض من المرونة فى تغيير بعض هذه النسب.
من الممكن أن تتغير هذه النسب فى حالة مصر، لتنخفض نسبة الفحم إلى 75% من المزيج كحد أدنى، بينما تصل نسبة تدوير المخلفات إلى 15 أو 20% كحد أقصى، يوضح مهنا، وتحتاج صناعة الأسمنت بالكامل إلى 6 ملايين طن فحم وكوك، و3 ملايين طن مخلفات صلبة.
بينما لا يمكن أن تحل الطاقة الجديدة والمتجددة تماما مكان الطاقة التقليدية فى عملية التصنيع، كما يقول رئيس شركة السويس للأسمنت، والذى طالما طالب بضرورة إحلال استخدام الفحم مكان الغاز، فى عملية تصنيع الأسمنت، لمواجهة نقص الغاز، وذلك لأن هناك مراحل فى التصنيع تحتاج إلى الكهرباء والطاقة التقليدية لتنفيذها، مثل طحن مادة الكلينكر، وتسخين الأفران، فـ الطاقة المتجددة لا تقوى على توليد الحرارة اللازمة لهذه العمليات.
ويتكون المزيج الحالى المستخدم فى الطاقة فى مصانع الأسمنت فى مصر من 75% غاز، و20% مازوت، و5% تدوير مخلفات، و"هذه المعادلة باتت مستحيلة حاليا"، بحسب خبراء، مع أزمة نقص الغاز فى مصر.
وتستهدف الاستراتيجية الجديدة المطروحة للطاقة بالنسبة للمصانع، كما يقول مهنا، المحافظة على تنافسية صناعة الأسمنت المصرية فى مواجهة شركات إنتاج الأسمنت العالمية التى تستهدف السوق المصرية، والتى تستخدم الفحم والكوك فى إنتاج الأسمنت مثل تركيا، والتى تصل فيها أسعار الوقود إلى حوالى 2.6 دولار للمليون وحدة بريطانية، فى حين أن أسعار الوقود فى مصر حاليا تصل إلى 6 دولارات للمليون وحدة، أى حوالى 40% من إجمالى تكلفة عملية التصنيع، وهى أقصى تكلفة وقود تحافظ على التنافسية.
تستهلك صناعة الأسمنت حوالى 3.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى سنويا، و1.4 مليون طن من المازوت سنويا، وهو ما سيتم توفيره إلى الدولة فى حالة استخدام الفحم فى التصنيع.
وتقدر التكلفة الاستثمارية لتحويل كل مليون طن أسمنت للعمل بالفحم إلى ما بين 6 و8 ملايين دولار، بينما تصل تكلفة تحويل المليون طن أسمنت للعمل بتدوير المخلفات إلى 10 ملايين دولار.
الفحم الموتفى هذا الصدد جاءت دراسة أعدتها راجية الجرزاوى، الباحثة فى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والتى تقول إن حرق الفحم يسبب انبعاث نحو 76 عنصرا ساما فى الهواء تنقسم إلى غازات وجسيمات دقيقة ومعادن ثقيلة وملوثات عضوية دائمة، ويتبقى بعد احتراقه مخلفات تحمل العديد من السموم والمواد الضارة بالبيئة وصحة الأفراد المحيطين بها.
ووفق تقرير بعنوان "دليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى"، الصادر عن اللجنة الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة، يؤدى استخدام الفحم إلى زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة 70% مقارنة بالغاز الطبيعى، و"هو ما يتعارض مع السياسات المعلنة للحكومة المصرية بتحقيق تنمية اقتصادية أقل اعتمادا على الكربون، واستخدام تكنولوجيات الإنتاج النظيف"، على ما يقول الدكتور هشام عيسى، رئيس قطاع التغيرات المناخية بوزارة البيئة، الذى يشير إلى أن استيراد الدولة للفحم سيخالف تصديق مصر على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغير المناخى "كيوتو"، والذى يلزم الأطراف الموقعة بتقديم تقرير لسياسات تجاه خفض الانبعاث الحرارى لديها، وهو ما سيترتب عليه رفض أى مشاريع تمويلية تتعلق بالصناعة أو السياحة، وبالتالى ستحل مشكلة الطاقة ووقف نمو القطاعات الاقتصادية الأخرى".
وتقول وزارة البيئة فى تقرير لها حول رؤيتها لأزمة الطاقة إن استخدام الفحم فى صناعة الأسمنت فى مصر يؤدى إلى زيادة انبعاثات أكاسيد الكبريت (168.000 طن/سنة)، والجسيمات الصدرية الدقيقة ( 20.000 طن/سنة) وأكاسيد النيتروجين ( 18.500 طن/سنة)، مع افتراض استخدام المخلفات كبدائل للوقود بنسبة 20%، وقد تزيد هذه الكميات نظرا، لأن الالتزام بالمعايير فى مصر أقل من المتوسط العام لدول الاتحاد الأوروبى، بحسب تقرير الوزارة.
ويرى سمير موافى، مستشار وزيرة البيئة للطاقة أن "استخدام الفحم ليس حلا صحيحا، لأنه يحتاج إلى فترة لحل مشكلة الطاقة، لأن تشغيل مصانع الأسمنت بالفحم سيستغرق فترة من 8 شهور إلى 18 شهرا، أما محطات إنتاج الكهرباء من الفحم لن تقل فترة بنائها عن ثلاث سنوات".
يتساءل: إذا "كانت مشكلة نقص الطاقة قائمة وسوف تستمر لفترة من الزمن، فلماذا نبحث عن طرق بديلة ترحل المشكلة ولا نأخذ خطوات جادة تجاه حلول جذرية؟".
ويضيف: "استخدام الفحم يتطلب استثمارات ضخمة تستوجب الاستمرار فى استخدامه لمدة لاتقل عن 15 سنة، حتى لو ظهرت آثاره السلبية على البيئة وصحة المواطنين فى وقت مبكر، وإذا شملت هذه الاستثمارات جهات خارجية يصبح التحكيم الدولى إحدى عقبات اتخاذ قرارات تصحيح الأوضاع".
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كان له رد شديد اللهجة على قرار مجلس الوزراء، حيث أصدر بيانا يهاجم القرار لخطورة الفحم على البيئة وصحة المواطن.
وأكد البيان أنه قرار مصيري يؤثر على بيئة مصر واقتصادها وصحة المصريين وسيادتهم على اقتصاد بلادهم، وبالتالي فمن اللازم أن يصدر بعد تقدير مدقق لأخطار تلك الخطوة.
واستنكر المركز المصري أن تكون حكومة انتقالية هي الأجدر باتخاذ قرار مماثل سيؤثر على مستقبل مصر والمصريين لعقود طويلة قادمة، خاصة في غياب أي جهة تشريعية منتخبة.
أكسيد الكربون
إن الفحم أكثر تلوثا من البنزين والسولار وحتى المازوت؛ حيث تنتج عن عمليات حرقه عوادم كثيرة أشدها خطورة أول أكسيد الكربون الذي يتسبب في العديد من الأمراض الصدرية للجهاز التنفسي، هذا على لسان الدكتور محمود عبد العال استشاري الأمراض الصدرية والتنفسية بالقصر العيني.
ولفت "عبد العال" إلى أن عوادم الفحم تؤثر على الجهاز التنفسي، لأي كائن حي واستخدام الفحم في المصانع لا ينبغي أن يكون هو الحل الوحيد؛ مطالبا على المسئولين البحث عن بدائل جديدة للطاقة ومنها الطاقة الشمسية.
كما يعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون المكون الأساسي للدخان وهو غاز خانق؛ خصوصاً إذا زاد تركيزه عن 5000 جزء من المليون - وهو الحد الأعلى الآمن في منطقة العمل - أما التركيزات العالية فتهيج العينين وتسبب صداعًا ودوارًا وضيق نفس وضعفًا في العضلات وطنينًا في الأذنين.
مشاركة على

Unknown

وصف الكاتب هنا

    التعليق بإستخدام حساب جوجل
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق