اقتصاد الضعفاء قوى

أحمد طلب
صحفي متخصص بالشأن الاقتصادي

يقول جلال عامر أن "الغلبان" هو أي شخص من الرخويات؛ الذي ليس له ظهر يسنده أو كبير يؤيده، فلا القوانين تصدر لصالحه ولا الثورات تقوم من أجله، لكن الغلبان اقتصاديًا من وجهه نظري هو من يقف في شوارع المحروسة ساعات طويلة وينادي "قرب وأتفرج؛ أي حاجه بـ 2.5 تعالى يا بيه أتفرجي يا أستاذة" وفي ظل غلبه وتعبه يسمع أحدهم ينادي "بلدية" فيذهب مهرولًا حاملًا بضاعته على كتفه هاربًا من ظلم القانون وقهر التطبيق، فهذا نوع من أنواع الغلب الذي كثرت أنواعه في مصر. فقد مررت منذ أيام بميدان الغلابة "رمسيس"  كما يسميه صديق لي وهو أحد هؤلاء الغلابة لكن هذا الغلبان في قاموس الدولة أسمه "بائع جائل"، لكن وعلى غير العادة وجدت الهدوء يسيطر على الميدان فلا أجد صديقي ولا أحد يسحبني من يدي لأشترى هذا أو ذاك، فتساءلت ماذا حدث؟! قالوا أن الدولة قامت بتنظيف الميدان.. وقلت وماذا حل بنحل الميدان، حيث أن رمسيس كانت كالخلية بوجود الباعة الجائلين داخلها. 


وتعالوا نبتعد قليلاً عن ميدان الغلابة وننظر هل هؤلاء حقًا غلابة من وجهة نظر الاقتصاد؟!.. وقبل الإجابة، يجب أن نعرف أن مصر بها نحو 5 ملايين بائع جائل، يتحكمون في مئات الملايين من الاقتصاد المصري وتأثيرهم قوى جدًا وليس ضعيفًا، كما يظن البعض، فبحسب تقديرات فإن حجم الاقتصاد غير الرسمي يقدّر حالياً بنحو 2.2 ترليون جنيه (288.7 مليار دولار)، ويستحوذ على أكثر من 60% من تعاملات السوق في مصر، وهذه بالطبع لا تخص الباعة الجائلين فقط ولكن هم جزء أصيل منها. فاقتصاد الجائلين تضخم وزاد بشكل كبير ما بعد ثورة 25 يناير، وهو من  وجهه نظري أحد الأسباب التي حافظت على بقاء وصمود الاقتصاد المصري منذ ثورة 25 يناير. 


هذا الاقتصاد يقوم بتشغيل وإعالة ضعف ما تشغله وتعوله الدولة، وكلما زادت الظروف الاقتصادية سوءًا تضخم أكثر، لكن الإجراءات الحكومية التي تتم حاليًا وإن كان ظاهرها صحيح، لكن في الحقيقة هي إجراءات عوراء، بسبب عدم وجود رؤية واضحة لتقنين أوضاع الباعة الجائلين أو وجود أماكن بديلة. 


إذا كان اقتصاد الغلابة قوى فأنا أعتبر هذا الاقتصاد كنز يجب استثماره على أكمل وجه وليس قتله كما يفعلون، فلو أن هناك إدارة لديها وعى كانت استفادت من هذا الاقتصاد في حل مشكلة البطالة وعجز الموازنة وخلافة، وذلك عن طريق، تقنين أوضاع هذا الاقتصاد، وهذا ممكن وليس مستحيل، لكن السؤال هل تقنين أوضاع الجائلين ضمن أولويات الحكومة؟! .. في الوقت الحالي أظن أن أقصى ما  يهم هو تجميل شوارع العاصمة وإن كان على حساب الغلابة.


مشاركة على

Unknown

وصف الكاتب هنا

    التعليق بإستخدام حساب جوجل
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق