مزاج الاستقرار وعجائب الاستثمار

أحمد طلب
صحفي متخصص بالشأن الاقتصادي



أصبحت مصر بلد العجائب الاقتصادية بلا منازع حيث لا يمر يوم وأنت تطالع الأخبار بدون أن تجد أعجوبة جديدة وفتوى عقيمة وتصريح للتسكين، فهذا يقول إن السجائر "المزاج" تدفع البلاد نحو الاستقرار، وذاك يرى أن قطر تفتعل أزمة أنبوبة البوتاجاز، وآخر يخرج علينا بقرار عجيب بدون معني ولا مفهوم ولا إضافة ولا مدلول بخصوص شهادات استثمار قناة السويس الجديدة، وبعد انتهاء المؤتمر الاقتصادي القمة المزعومة ومازالوا حتى الآن يفكرون بأي صورة سيكون شكل قانون الاستثمار وكيف سيتم تطبيقه.

فقد خرجت علينا رابطة تجار السجائر بالحل السحري الذي لا أستبعد أن تتبناه الحكومة المصرية وهو صرف حصة شهرية "30 علبة لكل أسرة" من السجائر على البطاقة التموينية، وذلك بغرض مساعدة 40 مليون مواطن من محدودي الدخل الذين تأثروا بارتفاع أسعار السجائر وكذلك لمحاربة السجائر المغشوشة ومجهولة المصدر من خلال الخطوة العبقرية تلك.


ولكن بعيدًا عن الطرح الذي يدعو المصريين بشكل صريح للتدخين فقد كان المبرر أكثر عبقرية حيث ترى الرابطة أن التوزيع العادل لهذا المنتج الاستراتيجي "السجائر" الذي يعد أمنا قوميا من وجهه نظرهم وضرورة للاستقرار لأنه يتحكم في "مزاج" الشعب مثله كالشاي والسكر والقمح، إذًاً لكي يستقر الاقتصاد يجب أن يراعي "المزاج" وهذا قمة الأعجاز الاقتصادي فقط في مصر.


نعم هذه هي العبقرية في التعامل مع الأزمات في عصر هذه الحكومة فلكي تقضي على السوق السوداء للسجائر تصدرها لكل بيوت وأسر مصر حتى تنفق ما يدخل الموازنة من هذه التجارة المحرمة "30 مليار جنيه" على علاج المصريين ممن سيدخلون داخل دائرة المدخنين قريبًا، ففي الحقيقة هذه الحكومة هي الأبرع في صناعة الأزمات والأفضل في تجاهل الحلول والتجربة، هي التي تقول.

ربما يكون أمر السجائر لم يدخل إطار العمل بعد ويبقي اقتراح لا أكثر، ولكن عندما نجد الخبراء يحاولون حل المشاكل بنفس طريقة صناعة مشكلة لا علاقة لها بالأزمة، وأتكلم هنا عما نقلته أحد الصحف المصرية عن خبير بترولي، أن قطر وراء أزمة البوتاجاز المشتعلة في مصر، وبغض النظر عن التفاصيل، فأي حل هذا الذي لا يمت بصلة للأزمة الذي يعاني منها المواطن المصري، لكن هذا هو المنطق السائد والأسلوب الرائج في حل المشاكل الاقتصادية في مصر في الآونة الأخيرة.


لكن العجيب حقًا في ديناميكية القرارات الاقتصادية في مصر أنها منزوعة المعني ومجردة المدلول وبدون حتى مفهوم واضح أو مغزى معين، وأقصد بكلامي القرار الرئاسي بتعديل قانون شهادات استثمار قناة السويس الذي يتضمن فقط نقل ضمان شهادات الاستثمار من وزارة المالية إلى هيئة قناة السويس التي تقوم في الأساس بتوريد أموالها إلى وزارة المالية، أذًا ما هو الجديد وما أهمية هذا القرار في هذا التوقيت، الحقيقة حتى الآن لم يدرك أحد ما هو سبب القرار، عمومًا أنا اسرد عليكم جزء من العجائب والمزاج الاقتصادي.


ودعوني أنهي مقالي بأعجوبة بل أضحوكة جديدة، بعد انتهاء مؤتمر الانجازات الإعلامية والأرقام الوهمية "المؤتمر الاقتصادي" خرج علينا وزير الاستثمار أشرف سالمان ليقول  "نعكف حاليا على إعداد اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار" مضيفًا أن هناك إرادة سياسية وشعبية قوية لتفعيل الخطط الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية الموضوعة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، والذي يتطلب تحقيق نمو اقتصادي احتوائي شامل لكافة شرائح المجتمع خاصة الأكثر احتياجا، ولا أجد تعليق مناسب لهذه التصريحات سوى المثل الشعبي "جِهْ بعد الهنا بسنة"، بمعني أن بعد ما الفرح خلص والمزاد انفض والضيوف رحلوا جاء الآن ليفكر في إعداد اللائحة التنفيذية للقانون وذلك لتحقيق مزاج الاستقرار واستكمال عجائب الاستثمار.

مشاركة على

Unknown

وصف الكاتب هنا

    التعليق بإستخدام حساب جوجل
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق