اعتادت حكومات مصر المتعاقبة في السنوات الأخير على اختيار الحلول التقليدية لحل المشاكل الاقتصادية دون البحث عن حلول جديدة، أو مبتكرة؛ فقد جرت العادة على الاقتراض الداخلي لسد عجز الموازنة، فإذا لم يتوفر القرض الداخلي سارعت الحكومة نحو البحث عن طريقة لقرض خارجي دونما النظر إلى طرق التمويل الأخرى.
ومن المعلوم أن مصر من الدول التي تملك طرق متعددة للتمويل؛ حيث أن طبيعة مصر الاقتصادية لا تعتمد على مصدر واحد فقط، بخلاف دول أخرى كالخليج مثلًا التي تعتمد على مصدر واحد فقط، وهو النفط، ولكن بالرغم من الطبيعة الاقتصادية الجيدة للدولة ألا أن الحكومة المصرية لا تعتمد ألا على عدد محدود جدًا من الأدوات المالية لتمويل المشروعات القومية أو حتي سد عجز الموازنة، ودائما لا تخرج الحكومة عن الأدوات غير المصرفية، متجاهله بذلك طرق تمويل كثيرة.
ولكن أحيانًا يكون الاقتراض هو الحل الأمثل للخروج من أزمة معينة، فهل اتجاه مصر نحو الاقتراض الخارجي في هذا الوقت، سيعطي الاقتصاد المصري دفعه للأمام، أم أنه سيضيف أزمة أخرى للاقتصاد.
مصر تتجه إلى السندات العالمية
وبحسب تصريح صحفي لوزير المالية "هاني قدري دميان"، اليوم: "إن مصر قد تلجأ لأسواق السندات العالمية العام القادم، لجمع ما يصل إلى 1.5 مليار دولار، مع سعيها لتعزيز ماليتها العامة، وإنها مستعدة لبحث اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاتفاق على حزمة قروض إذا دعت الضرورة".
وأضاف: "الوضع صعب للغاية ونقطة البداية لنا ليست سهلة، لكن مهمتنا الأساسية في هذه الحكومة هي إعادة بناء الثقة في الاقتصاد المصري".
وأشار إلى أن الإصلاحات الاقتصادية الأولية سارت بشكل سلس، لكنه أقر بأن مصر قد تحتاج للسعي للاقتراض من الخارج.
وتابع: "نحن لا نمانع في النظر في كل موارد التمويل المختلفة بالحجم الذي نختاره، ومع تقييم التوقيت المناسب الذي يمكننا فيه دخول السوق أو اللجوء إلى صندوق النقد".
وأوضح وزير الماالية أنه سيتم اللجوء أولًا إلى الأسواق العالمية قبل الاستفادة من موارد صندوق النقد الدولي، مشيرًا إلى أن هذا سيتوقف على ما إذا كان لدينا ضمان أم سنذهب من تلقاء أنفسنا. إذا ذهبنا من تلقاء نفسنا فأتوقع أن نسعى للحصول على ما يتراوح بين مليار و1.5 مليار دولار كدفعة أولى وهذا لاختبار الأسواق".
وعود الأمس
وكان المرصد العربي للحقوق والحريات قد أصدر تقريرًا قبل تنصيب السيسي رئيسًا لمصر حول منحه قروضًا بقيمة 9 مليارات دولار - 63 مليار جنيه - بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وذلك رضوخًا لديون صندوق النقد والبنك الدولي، ورفع الدعم.
وقد جاء في التقرير توقيع وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري في حكومة محلب، أشرف العربي، ومسئولون بالبنك الدولي، اتفاقًا يمنح البنك بمقتضاه مصر قرضًا بقيمة 300 مليون دولار، وأكدت نشرة رسمية صادرة عن السفارة المصرية بواشنطن أن البنك الدولي سيقوم بإقراض مصر قروضًا إجمالية بقيمة 4.1 مليار دولار فى أكبر عملية اقتراض في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فيما قال "هارتفيغ شافر"، أحد مدراء البنك الدولي أن البنك الدولي قد أدرج مصر كأكبر متلق للقروض بقرض قيمته الإجمالية 4.1 مليار دولار، من خلال 22 مشروعًا، تستحوذ الكهرباء فيها على حصة الأسد من إجمالي مشاريع البنك الدولي في مصر بنسبة 38.9% لهذا القطاع.
تحذيرات الخبراء
وتنطلق ديون مصر في الاتجاه الصاعد منذ اندلاع أحداث 30/6 بدون توقف؛ حيث تستمر المشكلة في التفاقم بصورة مخيفة، الأمر الذى قد يهدد الأمن الاقتصادي المصري بصورة كبيرة، ويحذر الخبراء من استمرار ارتفاع الدين الخارجي والمحلي، فبحسب البنك المركزي المصري فقد ارتفع الدين الخارجي 18%، والمحلي 17% في الربع/3.
المقلق في الأمر أن الحكومة لا تواجه هذا الارتفاع بإلية حقيقية أو إستراتيجية واضحة، مما يزيد القلق ويعزز قول البعض أن مصر تتجه إلى الأفلاس.. والمقصود بالإفلاس من وجهة النظر الاقتصادية البحتة هو عدم قدرة الدولة على تلبية مدفوعاتها والتزاماتها الخارجية، وهو ما يؤدي إلى انهيار العملة المحلية وارتفاع رهيب بالأسعار وعدم قدرة البنوك على تلبية متطلبات عملائها لتزايد عمليات السحب... فهل تستطيع الحكومة مواجهة هذه الصعوبات، وإنجاح تجربة الاقتراض الخارجي.
0 التعليقات :
إرسال تعليق