كتب - أحمد طلب |
سكان العشوائيات هم أناس مصريون يعيشون بيننا ولكن حياتهم غير حياتنا، فهم يعيشون حياة لا يتوافر فيها الحد الأدنى من الحياة الآدمية.. محرومون من المياه النقية والكهرباء والصرف الصحي.. تنتشر بينهم الأمراض.. وتعتبر العشوائيات مأوى لجميع أنواع الجرائم والانحرافات الأخلاقية، من اغتصاب إلى قتل إلى سرقة ومخدرات. يختلف حال سكان العشوائيات المصرية من مكان إلى مكان، فهناك من يسكنون العشش والحجرات المشتركة وهناك من يسكنون المقابر والأرصفة؛ ولكن يتفقون جميعاً في المعاناة. "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" كان هذا شعار ثورة 25 يناير، والهدف الذي قامت من أجله، و الذي سالت من أجله دماء المئات من شباب مصر ولكن لم يتحقق شيئاً من الشعار، بالعكس تحولت حياتنا من سئ إلى أسوأ، وتشير الإحصاءات إلى أن العشوائيات في زيادة مستمرة، فمتى يقف نزيف المصريين وهل هناك حل؟ 28 مليون في العشوائيات هناك 28 مليون مصري يعيشون بالمقابر والعشوائيات والعشش والمساجد، خاصة في مقابر البساتين والإمام الشافعي وباب الوزير والغفير والمجاورين والإمام الليثي وعين شمس ومدينة نصر، يعيش أكثر من نصفهم في القاهرة الكبرى، وقد اضطرتهم الظروف الاقتصادية إلى اللجوء إلى هذه المناطق ليسكنوا في مساكن غير ملائمة لحياة الآدميين، ويعيشون معرضين لخطر الانهيارات الصخرية أو السيول أو الحرائق، فضلا عن هجوم الخارجين على القانون، وهذا ما أكده "حمدي عرفة" خبير المحليات. وبرغم أن الحكومات المتعاقبة كثيرًا ما أعلنت الانتهاء من تطوير بعض العشوائيات، فإن سكانها ما زالوا لا يشعرون بهذا التطوير ولا يوجد أي تغيير في حياة هؤلاء؛ بل تزيد معاناتهم لأنه في معظمه تطوير في الشكل وتهجير للسكان، بدلًا من تنمية البشر وتطوير مساكنهم، بالتشاور معهم، وغالباً تكون هذه الإعلانات شكلية والكثير منها غير واقعي وغير حقيقي بل هو مظهر إعلامي ليس إلا. وأكد "حمدي عرفة": إن الحكومة لن تتمكن من حل أزمة العشوائيات بالطرق التقليدية، مشيرا إلى إمكانية تطبيق تجربة الصين في القضاء على العشوائيات دون أن تكلف الدولة مليمًا واحدًا، وذلك عن طريق قيام المحافظة ببناء مساكن للأهالي كاملة المرافق على أطراف الإسكندرية، بقروض من البنوك وبيع أرض العشوائيات للمستثمرين لتسديد قرض البنك، وتحقيق أرباح للمحافظة، وبذلك سيتم القضاء على العشوائيات. وأضاف "عرفة" أن العشوائيات الغير آمنة بدأت في ازدياد كبير. وأكد: إن الإسكندرية بها أكثر من 33 منطقة عشوائية. آخر الإحصائيات وأكدت آخر الإحصائيات، أن المجتمعات العشوائية أصبحت تغطي مصر من أولها لآخرها، حيث ارتفع عدد المناطق العشوائية إلى 1221 منطقة منتشرة في محافظات مصر، تحتل القاهرة المركز الأول في عدد المناطق العشوائية بحوالي 81 منطقة، مطلوب إزالة 12منها وتطوير 67، أما في الجيزة فهناك 32 منطقة عشوائية مطلوب إزالة 4 وتطوير 28 منها، والإسكندرية بها 41 منطقة مطلوب إزالة 8 وتطوير الباقي، وتعتبر محافظة الدقهلية أعلى المحافظات في احتواء المناطق العشوائية من بين كل المحافظات تقريبا 109 مناطق. كما أن هناك ثمانية ملايين من بين 15 مليونا يسكنون العاصمة يعيشون في تلك العشوائيات التي تحتل 45% من مسطح العاصمة. العشوائيات ترتفع تشير دراسة إلى أن النمو السكاني لبعض العشوائيات يرتفع بنسبة 34% سنويا، كما هو الحال في عشوائيات قسم السلام بالقاهرة، وفي عشوائيات أخرى يصل النمو إلى 9% سنويا، ولا يعود سبب النمو إلى الزيادة في المواليد فقط كما تقول الدراسة، وإنما يعود كذلك إلى استمرار تدفق الهجرة الداخلية. وهو ما تشير إليه دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أوضحت أن الكثافة السكانية في بعض العشوائيات ترتفع إلى 128 ألف نسمة في الكيلو متر مربع، هذا التكدس في العشوائيات وخاصة في الأماكن المزدحمة. الآثار السلبية و المخاطر حاولت بعض الوسائل الإعلامية أن تصور جزء من المعاناة التي يعاني منها سكان العشوائيات؛ ولكن إذا عرفنا أن متوسط حجم الوحدات السكنية في المناطق العشوائية يتراوح بين ( 3 و26) مترا مربعا نستطع استنتاج مدى انتهاك خصوصية الأسرة ومدى المخاطر والمعاناة التي يعاني منها هؤلاء، فنتيجة التلاصق الشديد بين العشش يصبح كل ما يدور داخل العشش أو الحجرات الضيقة مشاعا لدى الجيران، مما يجعل الخصوصية الأسرية مستباحة للمجاورين علاوة على المارة أيضا. وكما تقول د.سامية الساعاتي، أستاذ علم الاجتماع: "فإن ساكني المناطق العشوائية لم يعد أحد منهم يستطيع الادعاء بأنه ما زالت لديه أشياء مستورة ولا حتى معالم أجساد بناته ونسائه، ومع عدم وجود وسائل ترفيه أو تسلية ومن ثم لا يجد الزوج سوى زوجته يفرغ فيها همومه وإحباطه، فيكثر الإنجاب الذي تجهز ظروف البيئة على نسبة عالية منه، فترتفع نسبة الوفيات، وكلما رحل طفل عوضه والديه بطفل أو أكثر". ولأن غالبية الزوجات من النحافة وضعف الصحة وإهمال المظهر والنظافة، لظروف السكن وقلة المياه وتلبية مطالب الصغار، فإن أعين الرجال لا تقنع وهم يشاهدون في الشوارع والتلفزيون نساء من نوع مختلف أكثر إغراء وبهجة، والنتيجة هي التي نراها الآن، وهي ظاهرة خطف الإناث من مجموعة من الشباب أو الرجال يتناوبون الاعتداء على الضحية في إحدى المناطق العشوائية، وأيضا ترتفع معدلات الزنا فيما بينهم، خاصة مع الفقر الشديدة وكثرة حالات الطلاق، وسجن الأزواج، والذي يطول لسنوات وسنوات، وفي هذا المجتمع العشوائي ترتفع معدلات وفيات الأزواج وخاصة مع انتشار زواج الشابات من كبار السن، فالزوج منهم في حياته دخله محدود لكونه عاملا يعمل يوما بيوم وفترات مرضه تطول وبعد وفاة الزوج لا يوجد معاش، وإذا حدث فهي معاشات هزيلة في قيمتها لا تكفي لإطعام الصغار خبز وفول فقط. ويرتبط ذلك بظاهرة عمل الزوجات في مهن متدنية مثل جمع الكرتون من المخلفات، وبيع الكيلو بمبالغ قليلة، وجمع قطع الخبز من أماكن القمامة، ويشارك الصغار في هذه الأعمال المتدنية. وفي الآونة الأخيرة بدأ الاتجاه للعمل في الشقق المفروشة كخادمات، وسرعان ما يتحولن إلى عاهرات بعد أن يسيل لعابهن أمام الأموال المحرومين منها، بالرغم من احتمالية حملهن أمراضا خطيرة من البيئة القادمات منها.و والأمر لا يتوقف على ذلك كما تقول "الساعاتي"، فنتيجة لهذا الانتهاك للخصوصية يسيطر طابع العنف والقسوة على العلاقات بين الأفراد في الأسرة الواحدة، أو بين الأسر المختلفة، كما يسود الشعور بالإحباط والدونية والعدوانية، مما يساعد على نمو الشخصية غير السوية في مرحلة سابقة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ ولكن امتدت الآثار السلبية والمخاطر إلى التأثير على الأوضاع السياسية والأمنية أيضاً، أهمها كما تشير دراسات أمنية والتي حذرت من خطورة المناطق العشوائية خاصة في ظل أعدادها الكثيرة المنتشرة في أنحاء مصر، حيث ضيق شوارعها وتلاصقها يحول دون دخول سيارات الشرطة إلى هذه المناطق، التي يجدها الخطرون على الأمن العام مكانا مناسبا للاختباء بها، كما أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسكان العشوائيات تحول دون قيامهم بدورهم المفروض للإبلاغ عن المشتبه بهم، ليس ذلك فقط، فقد تم استخدام هذه المناطق كما تقول الدراسة الأمنية كملاذ آمن لعناصر الإرهاب، وفي حالات كثيرة تم استخدام سكانها في أعمال البلطجة في الانتخابات العامة الآثار لا تتوقف على ما سبق فقط، ولكن تطال وبقوة أحوالهم الاقتصادية في العشوائيات. فنسبة 81% من سكانها يعملون في القطاع غير الرسمي، وترتفع البطالة بين صفوفها إلى نسبة 20%، كما تتدنى فيها متوسطات الأجور، وحيث 38% من الأسر لا يزيد دخلها الشهري على 200 جنيه، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع عدد أفراد الأسرة. وهو ما أكدت عليه الدكتورة "سامية الساعاتي" ، أستاذ علم الاجتماع ، لافتة أن من سمات هذه المناطق أيضا، أن ساكنيها وبسبب هجرتهم من قراهم لا يملكون الأوراق الرسمية التي تكفل لهم الحد الأدنى من الخدمات التي تقدمها الدولة، فبالرغم من حدة الفقر التي تلاحقهم، فإنهم لا يستطيعون استخراج بطاقة تموينية أو الحصول على قروض صغيرة، وبذلك يحرمون من الخدمات التي توفرها الدولة للحد من حالات الفقر، أيضا تعتبر المناطق العشوائية بؤرة توتر اجتماعي وتلوث أخلاقي وقيمي، حيث لا يتوافر الحد الأدنى لمقومات المعيشة الضرورية. وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى وجود تلك المناطق، فإن سكان تلك المناطق العشوائية بجميع فئاتهم العمرية، وعلى وجه الخصوص الشباب يعانون التهميش والحياة في بيئة ملوثة تفتقر إلى النشأة السليمة، وإلى الكثير من الخدمات الأساسية ويصبح الإفراز الطبيعي لكل تداعيات المناطق العشوائية أحداثا وشبابا يسعون إلى الجريمة. وهو ما كشفت عنه دراسات عديدة، أوضحت أن نسبة 95% من الأحداث المودعين بدور الرعاية الاجتماعية ينتمون إلى مناطق عشوائية.وتستمر السمات الخاصة بالمرأة والطفل والشباب في هذه المناطق. وحسبما تشير دراسة المركز الديموجرافي مؤكدة أن 60% من أطفال العشوائيات الذين هم في سن التعليم محرومون تماما من أي خدمات تعليمية.لذلك فهم رصيد للأمية بجانب أنهم ينخرطون في سوق العمل في سن مبكرة لإعالة أسرهم .وفي سوق العمل نجدهم يعملون في الورش وكباعة متجولين وعادة ما تلتقطهم العناصر القريبة من المخدرات سواء للتعاطي أو البيع كما ينجرفون في تيار الانحراف والجريمة حسبما تؤكد الدراسة الأمنية التي تشير أن هناك 17 ألف جريمة يرتكبها أطفال العشوائيات سنويا إلى جانب التسول والتشرد. |
-
التعليق بإستخدام حساب جوجل
-
تعليقات الفيسبوك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
0 التعليقات :
إرسال تعليق