الصكوك الإسلامية.. بين اليوم والأمس



كتب - أحمد طلب
الصكوك الإسلامية تعود إلى المشهد الاقتصادي المصري من جديد، فهل تكون فعلاً البديل الوحيد والمتاح للاستغناء عن الاقتراض من الخارج وتكون بديلة عن قروض المركزي المصري من البنوك المصرية التي تحدث يوماً بعد يوم؟ خاصة في ظل توافقها مع الشريعة الإسلامية التي تحرم الربا، وإذا كانت هي الحل الأمثل فلماذا هوجمت من القاصى والدانى فى ظل حكم مرسي؟ 
مفهوم الصكوك الإسلامية
الصكوك الإسلامية "هي أداة استثمارية تقوم على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكه فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون له نسبة من الربح- إن تحقق- من هذا المشروع بقدر ما يملك من الصكوك ـ فالصكوك الإسلامية إذن معرضة للربح والخسارة على السواء كأي استثمار يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية" . واصطلح على تسمية السندات الإسلامية صكوكا تمييزاً لها عن السندات التقليدية.

وبعيداً عن المعنى الاقتصادى للصكوك الإسلامية فإن فكرة الصكوك معناها بسيط جدا، وهى بدلا من أن تقوم الدولة بعمل مشاريع تحتاج أحيانا الى مليارات الدولارت والتى قد لا تكون متوفره لدى خزينة الدولة، تقوم بالإعلان عن مشروع معين وليكن انشاء محطة كهرباء، وبفرض أن هذه المحطة تحتاج لإنشائها 10 مليون دولار، فتتجه الحكومة بإصدار صكوك بمقدار المبلغ اللازم لتمويل هذا المشروع وكل صك له قيمة وليكن مثلا عشرة جنيها، فيقوم رجال الأعمال والمواطنين بشراء هذه الصكوك، وبمقتضاها يحصلون على نسبة فى أرباح هذا المشروع حين اكتماله.
مع العلم أن فترة الاستفادة من المشروع للمشاركين فيه محددة بمدة معينة، وقد تكون عشرة سنين أو خمسة عشر أو حتى عشرين سنه حسب حجم المشروع ونوعيته، ثم تؤول ملكية المشروع وارباحه بالكامل للدولة.
العالم يتجه إلى الصكوك الاسلامية
نشأت فكرة الصكوك الإسلامية عندما بدأ البحث عن بدائل ووسائل اقتصادية جديدة، مع الانهيار الكبير الذي شهدته الرأسمالية، تزامنًا مع أزمة الرهونات العقارية التي تسببت في أكبر ركود عالمي منذ الكساد الأعظم، ووصول التضخم إلى أعلى مستوياته، وانهيار الدولار الأمريكي أمام العُملات الأخرى، إلى جانب المؤسسات المالية العملاقة التي أغلقت أبوابها مُعلنة إفلاسها، كما بدأ تزايد الاعتماد على الصكوك الإسلامية في السنوات الأخيرة حتى أصبحت الأسرع نموًا في سوق التمويل الإسلامي.

وتشير التوقعات أن يصل حجم إصدار الصكوك إلى (3-5) تريليون دولار بمطلع عام 2015، وعلى الرغم من أن الصكوك الإسلامية بدأت كإصدارات لمؤسسات ودول إسلامية إلا إنها أصبحت مُنتج مالي عالمي، وأضحى نصيب الدول الإسلامية منها أقل بكثير من نصيب الدول الغربية والذي وصل إلى 80% من إصدارات الصكوك الإسلامية.
وكانت الفكرة الأساسية من وراء إصدار الصكوك الإسلامية أن يُشارك حملة الصكوك في ربح المشاريع الكبيرة أو الدخل الناتج منها، ولو أصدرت الصكوك على هذا الأساس، لأدت دورًا كبيرًا في تنمية العمل المصرفي، وساهمت مُساهمة كبيرة في الوصول إلى أهدافها.
وقد شهدت العشر سنوات الأخيره تطور لصناعة الصكوك الإسلامية وتنامت هذه الصكوك خاصة فى دول الخليج العربى، حيث كان هذا النمو يقوده مصدرو النفط فى دول الخليج، ولعل أشهر هذه الصكوك هى الصكوك التى أصدرها بنك دبي الاسلامي لإصدار 13.5 بليون دولار فى الإصدار الذى طرح لصالح مؤسسة الموانيء والجمارك والمنطقة الحرة فى دبي،  كما أن عدة دول فى منطقة الشرق الاوسط وإفريقيا تتجه نحو اصدار صكوك إسلامية .. فدولة تركيا التى تعتبر ثانى أكبر اقتصاد إسلامي بعد إندونسيا، أعلنت عن عزمها إصدار أول صكوك إسلامية خلال عام 2013، بالإضافة إلى دول نيجريا وجنوب إفريقيا، فهي تمثل أداة من الأدوات المالية لتمويل السوق بهدف ضخ أموال جديدة في شرايين الأقتصاد.
وعلى حد قول الدكتور محمد البلتاجي رئيس الجمعية المصرية، فإن الصكوك الإسلامية أثبتت جدارتها فى تحقيق السيولة المالية اللازمة لإنشاء المشروعات الاستثمارية، وأنها طبقت بنجاح فى العديد من الدول مثل ماليزيا وتركيا وفرنسا وإنجلترا، كما حققت الصكوك الإسلامية نجاحا كبيرا فى العديد من الدول العربية مثل البحرين والإمارات، حيث أصدرت دبى خلال السنوات الخمس الأخيرة ما يقرب من 200 مليار دولار فى السوق الإسلامية والتى أصبحت السوق الواعدة خاصة بعد الأزمة المالية العالمية، وأن الصكوك الإسلامية فى مصر مازالت فى حاجة الى العديد من التشريعات والقوانين اللازمة لنشرها والتوسع فى استخدامها من قبل البنوك المصرية، فهى تحتاج إلى تشريع خاص بها، وتكوين هيئة شرعية لاعتماد الضوابط والآليات ومجالات الاستخدام، إلى جانب الإلمام من جهة مصدرى الصكوك بسبل العمل بها، وتهيئة الأجواء العامة فى مصر للتحفيز على استخدام الصكوك الإسلامية والتوسع فيها.
التجربة الماليزية
وحول التجربة الماليزية أوضح الخبير الاقتصادي حازم مدني فى الصكوك الإسلامية، كيف استطاعت ماليزيا أن تخرج من دائرة الفقر إلى آفاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟ مُشيرًا إلى تجربة رهن مطار كوالالمبور مقابل إصدار صكوك بنحو 100 مليار دولار، وأن الفكرة التي طبقها مهاتير محمد بنجاح، هي أن العملية لا تنطوي على رهن الأصول العامة سواء لحساب مستثمرين أجانب أو محليين لاسيما أن الدول عندما تطرح صكوكًا سيادية من الطبيعي أن تتوجه بها إلى الأسواق الدولية للحصول على تمويل بالعُملات الصعبة وليس التوجه إلى السوق المحلية للحصول على تمويل بالعُملة المحلية، ومن ثم هناك ضوابط تمنع وقوع مثل هذه الأصول فى أيدٍ أجنبية.

وما حدث فى عملية مطار كوالالمبور هو أن تم إصدار الصكوك مقابل بيع المطار لجماعة حملة الصكوك لمدة 10 سنوات ثم توقيع عقد شراء المطار مرة أخري­ في نفس اللحظة، وبنفس قيمة البيع ­ لإعادته إلى ملكية الدولة ولكن بعد 10 سنوات وخلال هذه السنوات العشر تذهب عائدات تشغيل المطار إلى حملة الصكوك، وإذا تحققت خسائر في أي من هذه السنوات يتحملها حملة الصكوك، وفي نهاية المدة تقوم الدولة بسداد قيمة هذه الصكوك لأصحابها وبنفس قيمتها بعد أن تكون قد استخدمت هذه الحصيلة في بناء مشروعات جديدة طيلة السنوات العشر والاستفادة من فروق التضخم فى الأسعار العالمية، وهكذا نجحت ماليزيا في تنفيذ العديد من المشروعات العملاقة في مدى زمني قصير للغاية مما صنع ما يُسميه البعض بـ "المعجزة الماليزية"
الصكوك الإسلامية بمصر 2014
بعد الهجوم العنيف على مرسي وحكومتة عندما أقر مجلس الشورى المنتخب في 2012 مشروع قانون الصكوك الإسلامية وهجوم بعض القوى السياسية حول مدى خطورة هذا المشروع على الممتلكات السيادية للدولة، فيما اعتبر البعض أن هذا المشروع أداة جديدة للخصخصة، أو صورة مُستنسخة لشركات توظيف الأموال. 

وقد أثار موضوع "الصكوك الإسلامية" جدلاً واسعًا ومُثيرًا داخل مؤسسات عديدة في الدولة بالرغم من أن مرسي وحكومتة وعدا بأن الصكوك الإسلامية ستكون المخرج من الأزمة الراهنة.
حتى مؤسسة الأزهر التي كان من المفترض أن تكون أكبر داعم لمشروع القانون ألا انها تصاعدت لديها المخاوف بتعرض أصول مصر للبيع علي الساحة السياسية.
واليوم يخرج رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية شريف سامي قائلاً: إن "الهيئة انتهت من إعداد باب يضاف إلى قانون سوق المال المصري للسماح بإصدار الصكوك التي تخضع للشريعة الإسلامية في مصر".
وذكر "سامي" أن الباب الذي يتعلق بالصكوك مكون من 20 مادة، تنظم عمل الصكوك بشكل عام، كما ينظم أحدها عمل الصكوك السيادية (التي تصدرها الجهات الحكومية).
وتابع "سامى" أي جهة حكومية إذا ارادت إصدار صكوك، سيصبح شرطا أن توافق عليها وزارة المالية ورئاسة الوزراء، ويراقب عليها الجهاز المركزي للمحاسبات.
فهل تقوم الحكومة المصرية بتطبيق الصكوك الإسلامية بمصر؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام.
آراء حول الصكوك الإسلامية
قال الدكتورعبد الفتاح إدريس، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على الدولة أن تلغي السندات التقليدية الربوية، وتحل محلها الصكوك الإسلامية بكل أنواعها، من أجل توفير السيولة المالية اللازمة لإنشاء المشروعات الاستثمارية في كل المجالات الزراعية والصناعية والخدمية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر حاليًا، وضرورة العمل على إتاحة الفرصة أمام البنوك المركزية لاستخدام الصكوك الإسلامية ضمن أطر السياسة النقدية وفقا للمنظور الإسلامي بما يُساهم في امتصاص السيولة، ومن ثم خفض معدلات التضخم، وإتاحة الفرصة أمام المؤسسات المالية الإسلامية لإدارة السيولة الفائضة لديها.

ويرى "إدريس" أن الصكوك الإسلامية تلبي احتياجات الدولة في تمويل مشاريع البنية التحتية والتنموية بدلاً من الاعتماد على سندات الخزينة والدين العام، وتساعد في تحسين ربحية المؤسسات المالية والشركات ومراكزها المالية، وذلك لأن عمليات إصدار الصكوك الإسلامية تعتبر عمليات خارج الميزانية ولا تحتاج لتكلفة كبيرة في تمويلها وإدارتها.
وقد أشار أحمد غنيم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، إلى وجود عدة دول في منطقه الشرق الأوسط وإفريقيا تتجه لاصدار صكوك إسلاميه، مؤكدًا أن مشروع قانون الصكوك الإسلامية سوف يُحقق نجاحًا كبيرًا وسيُحافظ على الأمن القومي خاصة بعد استبعاد المرافق العامة.
ويرى "غنيم" أن إقرار الصكوك الإسلامية وتطبيقها في مصر يحل العديد من المشكلات الاقتصاديه المُتأزمة في الوطن منذ فترة، كما أن قرار استبعاد المرافق العامة من ضمانات الصكوك متوقعًا وضروري، لضمان الحفاظ علي الأمن القومي المصري، وتأكيده على أن العمل بالصكوك الإسلامية سوف يحد من الأزمة المالية الطاحنة، ولكنها تحتاج إلى وجود مشروعات حقيقية تحقق الأرباح لمُشتري هذه الصكوك، لتطمأنهم على مُستقبل أفضل.
وفي نهاية طرح موضوع الصكوك الإسلامية بين اليوم والأمس، وبين النجاح الخارجي والهجوم الداخلي، ينبغي معرفة أن هناك تجارب ناجحة لبلدان مشابهة لظروفنا في مجال الصكوك الإسلامية وعلينا وضع الأمور برمتها في موازين الدراسة العادلة للوصول بالنتائج التي تخرج بلادنا من عٌنق الزجاجة وترفع من درجات المستوى الاقتصادي محليًا ودوليًا.
وعلينا معرفة أن فكرة الصكوك الإسلامية في حد ذاتها كوسيلة للتمويل هي فكرة جديرة بالتعامل معها بجدية لاسيما علي ضوء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في بلادنا وبالتالي إذا كانت هذه الصكوك سوف تقدم حلا ولو جزئيا للمشكلات المتراكمة والموروثة علي مدار السنوات الماضية فأهلا بها.
مشاركة على

Unknown

وصف الكاتب هنا

    التعليق بإستخدام حساب جوجل
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق